الجمعة، 18 أكتوبر 2013

بابا صادق - الطائر الروحانى




ولد الطفل صادق روفائيل في 5 نوفمبر 1899 من أبوين مسيحيين قديسين وكانت نشأته الأولى في حي روض الفرج بشبرا مصر، وسط إحدى عشر أخ ماتوا جميعا في سن مبكرة إلا هو.


و كان أبواه ممتلئين بالروح، بسطاء، حباهم اللـه بالإيمان الحي ومخافته فكانت نعمة اللـه دائما حالة على وجوههم فتعلق بهم الطفل صادق بحب شديد فكان لا يرى فيهم منذ صباه المبكر إلا عمل اللـه معهما في صور الوداعة والمحبة والصبر والقداسة والطهارة وصلاتهم الدائمة بالشكر في كل حين ، فتيقظت مداركه على القداسة والطهارة والمحبة والإيمان من خلال قدوة والديه له الذين كان القديس يعتبرهما أساس حياته ونشأته، وكان القديس منذ طفولته يلازم والدته القديسة في القداسات الإلهية التي كانت لا تتركها وفي المساء كان دائما بصحبة والده في الاجتماعات الروحية التي كان والده لا يمل من أخذ بركة حضورها.


ورغم أن علاقته بأبيه منذ طفولته قامت وتأسست على الاحترام المتبادل وعمق الحب، إلا أنه وقف أمامه في أحد المرات ليعلمه درسا روحيا قويا يثبت لنا تكامل شخصيته ونضوج روحياته منذ حداثة عهده، ففي ليلة أحد الأعياد زار عائلته بعض من الأقارب ومعهم بعض الخمر وقدموا منها لأبيه ليشرب، فما كان من الطفل صادق البالغ من العمر حينئذ 4 أعوام، أن غمس قطعة من اللحم بقليل من الخمر وقدمها للكلب الذي في منزلهم، فتأفف من رائحتها، فصرخ الطفل في أبيه قائلا "إيه يا بابا القرف اللي انت ها تشربه ده، ده الكلب قرف من ريحتها) فانتهره الحاضرون وقالوا له "عيب يا ولد تقول لأبوك كده" فرد أبوه قائلا "صادق على حق" ورفض أن يشرب الخمر وأيضا الحاضرين معه.




حياة الشباب :


تمتع في شبابه بنبوغ غير عادى في علمه وثقافته، وكان محبا للقراءة جدا في جميع الكتب العلمية والأدبية والأجنبية متأملا في معانيها، وكان يدون في صفحاتها أفكاره الخاصة وإحساسه من جهة كل موضوع، وكان يلذ له القراءة جدا وبخاصة بعد أن يستيقظ من النوم مبكرا ويلعب قليلا من الرياضة ثم يستمتع بالقراءة التي أضافت عمقا وقوة لشخصية وترسيخا لأفكاره ومبادئه، لذلك تفوق جدا في دراسته وقت أن كان بمدرسة الأقباط الثانوية بالقاهرة.


ويبدو أن هذا القديس كان مختارا منذ البداية، وكانت كلمات النعمة والحكمة والذكاء التي تحلى بها منذ صغره تبهر الآخرين وتجذب انتباه جميع من حوله وكانوا يحبون أن يستمعوا إلى آرائه في الفلسفة والعلم وكانت من مواهبه منذ صباه انه حينما يقرأ أي كتاب يستطيع استيعاب كل ما جاء به بالكامل بعد أي وقت يمضى ويستطيع أن يسترجع كلمات كل صفحة على حدة كما لو كان يقرؤها ويذكر مواضع الكلمات والصفحات مهما طالت المدة.




رحيل والده :


كان صادق متعلقا بحب والديه حبا شديدا فإن تألم أحدهما يجلس بجواره صائما وباكيا بدموع كثيرة حتى يزول الألم أو الضعف الذي كان يراه فيهما، لذلك كانوا دائما ما يخفون عنه أمراضهم وأوجاعهم لعلمهم بمدى رقة عواطفه ومحبته وحساسيته الزائدة في التألم من أجلهم.


ثم جاء وقت مرض فيه والده بالسرطان وكان صادق في هذه الفترة لا يكف عن البكاء الشديد إلى اللـه وبلجاجة كي يمنح والده المتألم نعمة الشفاء وكان دائما يعاتب الرب بقوله "أبويا ده لازم تشفيه"


هذا وقد ترك القديس مذكرات ضمن ما سجله في حياته عن الفترة التي عايش فيها والده في مرضه وشاركه آلامه، تعتبر غاية في روعة الحب والإخلاص لوالده منهايوميات مسجلة بخط يده "مناجاة لوالده" يصور فيها كل الأحداث والوقائع التي يمر بها والبعض منها ما دونه بعد انتقال والده متذكرا ما حدث، ونقتطف هنا ما سطره في أحد الأيام في السنة التالية لانتقال والده (يوم 12/8/1924) فيقول " كان الأحد.. نهضت من نومك يا حبيب قلبي وقد بدأ عليك الفتور إلا في تأدية واجبك للـه ، أقوم على رفع صوتك بالصلاة لربك، ذلك الصوت الذي كان يملأ قلبي غبطة إذ اعتقد انك تعافيت وزال عنك الألم ولكن هو قوة إيمانك يغلب المرض ويقهر الألم. ارتديت ملابسك وأخذت شمسيتك وخرجت متوكلا على ربك كعادتك، عدت أنهب الطريق نهبا، فوصلت قبل وصولك، وحتى هذا اليوم لم أكن أدرى بحقيقة مصابك، تدخل من باب الشقة فتحيى والدتي وتبادرها "فين صادق" وبلهفة قبل أن تجيبك تكون ساقاك قد أسرعتا إلى الغرف تبحث عنى فإذا ما وقعت عينك على هدأ قلبك وظهرت علامات الارتياح على وجهك فتقول لي "سعيدة يا حبيبي، جيت امتى؟" تسألني عن نفسي وأنا بتمام العافية، قد نسيت نفسك في كل شئ لأجلى يا بابا.




لكن اللـه في إرادة مشيئته سمح أن ينتقل والده البار سنة 1923 وقد كان صادق في عامه الثالث والعشرون، فتسلم رعاية والدته الحبيبة بعدها عاش في حزن وألم شديدين جدا وهو لا ينقطع عن الصلاة ويطلب من اللـه أن يقيم له أبوه ثانية فكان يناجيه بثقة وإيمان "يارب لازم تصحيلى أبويا من الموت أبويا ده ما يموتش انت أخذته منى ليه؟ أنا ما اقدرش أعيش من غيره". وكان في ذلك الوقت لا يستطيع أحد أن يجرؤ ويعزيه لمعرفتهم بشدة بتعلقه بأبيه حتى أن أحد جيران العائلة قال "أنا أتحدى أن أجد إنسان واحد في العالم كله يستطيع أن يجرؤ ويتقدم ويعزى صادق أفندي في وفاة والده ويقول له (البقية في حياتك).


و كان وقت وفاة والده يشتغل بمصلحة المساحة في الجيزة كموظف مبتدئ حيث التحق بها بعد حصوله على الباكالوريا أدبي، وفي ذهابه لعمله يسير على قدميه من الصباح الباكر من روض الفرج إلى الجيزة وفي أماكن مقفرة حتى لا يرى الناس وهو لا ينقطع عن مناجاة اللـه في الخلاء وبدموع غزيرة حتى يقيم له أبيه من الموت. فقد كان في حزن شديد بسبب رحيله.




غير أن السماء أرادت تعزيته وتنهضه مما هو فيه، فبعد أسبوع من نياحة والده سمع القديس أثناء سيره في حديقة الأورمان بالجيزة (و هو ذاهب إلى عمله)صوت الرب يسوع واضحا جدا قائلا:"صادق .. صادق.. زي ما انت عايز أبوك .. أنا عايزه"و تكرر الصوت على ثلاثة دفعات، شعر بعدها القديس براحة وسلام ولكنه لم يستطع أن ينسى أبوه، وظل أيضا حزينا على انتقاله حتى جاءه نفس الصوت بعد أسبوع آخر وفي نفس المكان بجوار حديقة الأورمان وهو يقول له:"صادق .. صادق.. تحب أبوك اكتر منى؟و تكرر الصوت 3 مرات.




شعر بعدها القديس بسلام عميق يفوق كل عقل يغمر نفسه وأدرك بالنعمة مخاطبة اللـه إياه شخصيا بهذه الكلمات، إرادة اللـه بانتقال والده فتحولت صلاته إلى شكر دائم فكان يقول في صلاته:"أشكرك ياربى إذ أدركت بانتقال والدى حبك الفائق، إذ كانت محبتي له صورة مصغرة للمحبة التي اشعر بها الآن من نحوك، فكأنك كنت تشعرني بصورة محبتك عن طريق أبى، والآن تمتعت بك انت يا أصل الحب وأصبحت كل حبي الذي له وفيه وبه أحيا كابن حقيقي لك". كما كان يقول أيضا في صلاته "انت ليه يارب ماخدتش أبويا ده من زمان، اللي كان حاجب عنى حبك وحارمنى من رؤيتك وإحساسي بمحبتك اللي أنا حاسس بيها دلوقت".


و هكذا تبدلت في صادق عاطفة حسية مادية بأخرى روحية سماوية وارتفعت مداركه الروحية لأعلى المستويات بعد هذا الأمر فماتت بداخله كل عاطفة بشرية أرضية واتجه بكل جوارحه إلى حب الرب فعاش بطبيعة جديدة منحه إياها الروح القدس بكل قداسة من فكر وإحساس وإدراك حتى تغرب عن البشريين واكتفى بالرب ولا نبالغ إذا قلنا أنه عاش فترة من حياته حتى سن الخمسين من عمره لا يعرف أحدا وليس له علاقة بأحد من عمق محبته في شركة الرب والقديسين.




شهوة البتولية :


انتقلت والدته سنة 1933 وكانت أخر كلماتها له أن يعتنى بزوجة أخيه المتوفى وإلا يتركها حيث كانت تعلم برغبته في الذهاب إلى الدير للرهبنة.. وقد أطاع القديس وصية أمه ولم يذهب إلى الدير مؤمنا أن اللـه تكلم على فم والدته وعاش في العالم يعتنى بزوجة أخيه المتوفى وابنتها كراهب وهو في العالم، فقد كان في حياته موظفا وفي منزله مدبرا للبيت كان مثالا حقيقة للراهب الحقيقي مما يؤكد أن الرهبنة ليست بالصورة والمظهر فقط وإنما هي بالجوهر والقلب وكان يعتبر أن الراهب الحقيقي هو الذي تتضح فيه رهبة أي مخافة اللـه في كل وقت.


و قد حاولت عائلته العمل على زواجه بطرق عدة أما هو فكان يعلم أن اللـه لابد أن يظهر إرادته بوضوح فكانوا يذهبون به لزيارة عائلات كثيرة ليرى بناتهم لعله يتحرك بالرغبة في الزواج لكنه كان عندما يسأل عن رأيه بعد الزيارة يقول لهم "لم اشعر بأي قابلية" وكان يصلى ويقول "يارب إن شئت لي بحياة الزواج فلتكن إرادتك يارب، وإن شئت لي بحياة البتولية فلتكن إرادتك".


و قد اتفق أن ذهب أحد أقاربه إلى إحدى العائلات المسيحية واتفق معهم على خطبة ابنتهم لهذا البار وفي نفس الليلة ظهرت رؤية للفتاة التي كانت لها الرغبة في الزواج منه، ظهر لها المسيح له المجد بملابس بيضاء وفي يده ورقة مكتوب عليها بالذهب "صادق روفائيل" ولما همت الفتاة إن تأخذ الورقة من يد المسيح وجدت المسيح له المجد يبعد الورقة عن يدها وهو يقول لها "لأ .. صادق هذا إناء مختار لي" وعلم الجميع برؤية الفتاة لكن أهله لم يقتنعوا إلا بعد أن أقاموا قرعة من 5 ورقات مكتوب فيها نعم، لا ،انتظر قليلا، يؤجل، الزواج حالا. وجعلوا طفلة صغيرة تسحب إحدى الورقات فكانت ورقة "لا" وتكررت 3 دفعات فخضع أهله أخيرا وأهل هذه الفتاة لارادة اللـه ولم يعد أحد يفاتحه بعد ذلك في موضوع الزواج.




وظيفته الحكومية :


عاش في وظيفته مثالا للموظف المسيحي الحقيقي الذي يحيا بطاعة الروح القدس، نورا للعالم وملحا للأرض، كان شديد الأمانة وصادق في قوله ومتمسكا بالحق وملما بشئون عمله، وكان دائم الدفاع عن المظلوم فكان يلجأ له كل من له مشكلة فيكتب له مذكرة مطالبا فيها بحقه، ولم يحدث إن تدخل في آي مشكلة إلا وانتهت بالحل وإظهار الحق لصاحبها.


كان يؤمن إن الروح القدس يعلمه كل شئ، وكلما امتلأ من معرفة اللـه كلما سهل عليه أدراك علوم العالم بمعرفة اصل العلم ومصدره الذي هو اللـه. ولذلك كان باستطاعته بنعمة الـه فيه أدراك كثير من العلوم وإن كان قد حصل على شهادة الحقوق باللغة الفرنسية أثناء وظيفته وأتقن 4 لغات كان يتكلم بها في فصاحة (اللغة القبطية والعربية الفصحى والإنجليزية والفرنسية) وكان ملما باللغة الإيطالية والألمانية وتمكن من معرفة كل هذه اللغات بالقراءة والاطلاع. وقد عاون في أحيان كثيرة بإعداده رسائل ماجستير ودكتوراه في علوم مختلفة لبعض أولاده في الرب منهم :


- المشاركة في رسالة دكتوراه في أحد فروع علم النفس للأستاذ كمال حبيب (المتنيح الأنبا بيمن – أسقف ملوى)


- المشاركة في رسالة دكتوراه للأستاذ / مجدي رزق – زوج تاسونى عفاف (ابنة المتنيح القديس القمص ميخائيل إبراهيم)


إلا انه كان يعتبر أن ما يميزه من ثقافة عالية وخبرة واسعة ومركز عالي وألقاب علمية كل هذا لا قيمة له بتاتا بجانب شهادته الأولى والكبرى وهي شهادة "الامتلاء من الروح القدس".


أخر عمل قام به كان مديرا لمكتب مدير عام مصلحة المساحة ، ويحكى أنه جاءه ذات يوم شفيق وكيل وزارة الأشغال الذي كان مديره السابق وهو يقول له "إن شفيق يشكر فيك ويمتدح أمانتك له جدا" فقال له القديس بالحرف الواحد "أنا مش أمين لشقيقك" فرد المتحدث"كيف ذلك، إن أخي يشكر فيك" فقال له القديس "إن أمانتي لشقيقك بطريق غير مباشر أعنى أمانتي متجهة لالهى الذي احبه واعبده ومنها إلى شقيقك بطريق غير مباشر" فتعجب السامع جدا وقال تلقائيا مأخوذا بما سمع "اللـه اكبر".




انتقاله إلى الإسكندرية :


شاء الرب أن ينتقل هذا القديس بعد إحالته للمعاش إلى الإسكندرية وكان هذا في منتصف سنة 1960 وكانت دوافع هذا الانتقال هي الآية المقدسة "إن كان أحد لا يعتنى بخاصته ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو أشر من غير المؤمن" (1تى 5 :8). فسعى نحو عائلته بالإسكندرية حتى يعتنى بحياتهم الروحية، وقد أخذ على عاتقه رعاية فايقة (زوجة أخيه المتوفى) وابنتها حكمت (و من بعدها أولادها) وكان يشارك الأطفال دراستهم وخروجهم حتى يكشف لهم حلاوة عشرة المسيح وحبه عمليا ولكنه لاقى حروبا شديدة من زوج حكمت ومعا ومعاكسته له بعناد مستمر ضد خلاص نفسه وقد عانى منه القديس أتعابا مرة للغاية.


وكان انتقال القديس إلى الإسكندرية سبب بركة ليس لعائلة القديس فقط بل أيضا للكثيرين من أولاد اللـه ورغم انه كان يخفى نفسه بأنواع وطرق شتى عن الاختلاط بالناس إلا أن اللـه سمح أن تفوح رائحته الذكية لتعطر هذه المدينة المحبة للمسيح. فاجتمع حول هذا البار عدد كبير من الروحيين لمسوا بركته وإرشاده وأبوته ليشتركوا في حياة التوبة والجهاد الروحي التي يحياها القديس وكانوا يدعونه "بابا صادق".




أعماق روحانياته :




أ‌- محبته للـه :


كان عندما يعود من عمله بالمصلحة يخلع ساعته ويضعها في جاكتة البدلة قائلا "الوقت مع المسيح لا يحد بزمن". لأنه كان يعتبر أن وقته كله بعد عمله ملك للمسيح فقط. فكان بعد عودته لمنزله يقرأ إنجيله وكانت كلمات الإنجيل تفيض عليه من التأملات الكثير والكثير فتدخله بحر الحب السماوي بلا شبع. وكان يقول أنه لم يقرأ كتب كثيرة لكنه تعلم كل شئ من الإنجيل فقط بإرشاد الروح القدس. ومن عادته حينما كان بالإسكندرية أن يخرج من الصباح الباكر ويذهب إلى البحر ويجلس على صخرة بعيدة عن الشاطئ ويقرأ في الإنجيل أو يسرح في حب اللـه ولا يشعر بالوقت إلا بحلول الظلام.وكان هذا الأمر يتكرر كثيرا في أماكن خلوية. وقد انعكست قوة حبه للـه على الآخرين فكان يفيض بحب غير عادى على كل إنسان يقابله في حياته، حتى أن إحدى بناته الروحيين بالإسكندرية قالت يوما "مهما اجتهد الوعاظ في شرح محبة اللـه فلم نكن ندركها كما أدركناها ولمسناها في حبيبنا بابا صادق، ويقول أحد أبنائه بالروح "يكفى أن بابا يقول لي عندما يراني .. يا حبيبي يا ابني وحشتني ". ومحبته هذه كانت مستعدة كل حين لتقديم نفسها ذبيحة حب لكل إنسان عرفه أو حتى لم يعرفه لأنها متصلة ومستمدة قوتها من يسوع المحب الذي بذل نفسه فداء عن البشرية.




ب- صلواته :


كان القديس يشعر بأن القداس الإلهي والأسرار هي دعامة حياة المسيحي الروحية ولا توجد حياة روحية بدون هذا الأساس الراسخ وقد أوضح القديس مرارا أن سبب تعزيته الدائمة هي شركته بالقداس الإلهي. وكان في القداس يفيض بحرارة الروح القدس الملتهبة بنظره الدائم المركز في جسد الرب ودمه الأقدسين ملتقيا بروحه في السماء مع حب المسيح الفائق المعلن في هذه الذبيحة وكان عند تقدمه بشوق للتمتع بنعمة التناول كان يظهر فيه فرح المسيح الذي لا ينطق به ومجيد، وهنا يعلق الأب المبارك القمص لوقا سيداروس "سيظل هذا المنظر عالقا بذهني ما حييت، منظر عم صادق في الكنيسة أثناء القداس، لأنى اشهد بالحق أنني لم أرى مثل هذا مطلقا فهو يدخل الكنيسة ويسير بخشوع شديد إلى الهيكل الجانبي ويسجد في وقار شديد ثم يدخل إلى مقصورة الرجال ويسجد ناحية المذبح ثم يقف كمن تسمرت قدماه لا يتحرك طوال القداس إلى النهاية. ومن لحظة وقوفه تجاه المذبح تظل عيناه بفيضان بالدموع . هكذا رأينا جميع القداسات التي عاشها في الكنيسة لم تكف عيناه عن البكاء في قداس واحد. من أين تأتى هذه الدموع الغزيرة سوى من قلب نقى ومشاعر روحية مرهفة وإحساس حقيقي بحضور المسيح. وبعد الانتهاء القداس كان يخرج مسرعا إلى منزله لا يرغب في مواجهة إنسان أو التحدث إلى أحد ولما سئل عن ذلك قال "أنني يا أولادي بعد أن اخذ نعمة المسيح بالتناول لا أريد أن أعود للمنزل إلا لأستمتع به وبشركة الحب الإلهي ولا ارغب أن يعطلني شئ عن ذلك وخاصة بعد التناول مباشرة حتى لا يسرق أحد منى هذه البركة".




ج- دموعه :


امتازت حياته بالدموع والأنين الذي يتجاوز في التعبير عنه حدود التصور والمعقول والسبب في ذلك رؤيته لتغرب البشرية عن خالقها وعدم إدراك عمق حب اللـه وقيمة هذا الحب الخلاصى، لذلك فقد انضمرت عيناه من كثرة النواح على النفوس الضالة والخراف الشاردة. وكان يقول أن ذلك يشبه إنسان له ميراث في البنك في حدود المائة مليون جنيه ويجوب الشوارع كشحاذ يبحث عمن يقرضه قرشا ليسد به جوعه، وكان يعلق "أليس هذا هو الجنون بعينه؟. وذات مرة نظر من البلكونة فبكى قائلا "يا ولداه على الناس، بأحس إنها غرقانة في بحر وأن حركة أيديها زي حركة المجداف وهي تحاول النجاة ولا تدري لأي مصير ها تكون.




د- اتضاعه :


الاتضاع هو الصفة الغالبة على كل رجال اللـه القديسين وظهر هذا بجلال في حياة هذا الرجل الطوباوي الذي لقبه أولاده ب "الرجل الكامل حبيب مخلصنا الصالح" تماما كما قيل عن القديس الأنبا بيشوى. حتى أن أحد أولاده بالروح طلب منه صورة شخصية فكتب له في ظهرها "هذه صورة جسمي وهو غلاف وقتي ، وما بالك بغلاف هو دائم بالروح معك؟". لذلك في قراءتنا لمعجزاته الكثيرة التي اشتهر بها في حياته نجدها أمور طبيعية لا تأخذ منه وقتا للتفكير كأنها جزء من حياته اليومية دون إثارة أو انفعال بل في إيمانه الذي بعمل اللـه فوق المعتاد في كل نفس مؤمنة تخضع في طواعية لعمل الروح القدس في حياتها.




مدرسة النعمة :


دخل بابا صادق أعماق شركة الروح القدس ففاضت روحه بنعم وكنوز سمائية خرجت على لسانه كجواهر نفيسة غالية كان كل من يستمع لها ينجذب في الحال إلى طريق المسيح حسب وصيته. بشرط أن يكون له الاشتياق فكان إن تحدث يؤثر في سامعيه كمن له سلطان فيحرر ويبدد ظلمات اليأس والخطية والفتور في نفوس سامعيه وكانت كلماته المملوءة حكمة وعمقا روحاني يعزوها كلها النعمة وينكر ذاته كفاعل أو متكلم وكان يبدأ برسم الصليب في مستهل حديثه ويقول "النعمة تقول" ثم يستطرد في حديثه وهو يعترف لمن حوله أنه أول المستفيدين من كلمات النعمة وبنيانها. ورغم نعمة اللـه الناطقة على لسانه إلا انه كان يرفض الوعظ في الكنائس ويعلل ذلك في اتضاعه قائلا "الروح القدس لم يقمنى معلما وأنا أتعزى مع أخوتي الروحيين يشاركوني الإيمان وكل ما آخذه من اللـه لا أبخل به على أحد."


ولذا فقد آمن القديس أن أي مشكلة لا تحل بالأساليب أو المقاييس البشرية الأرضية بل كان يؤمن دائما أن سبب كل المشاكل هي الظلمة التي تملأ القلب لذلك كان إيمانه أن النور يطرد الظلام، فإذا دخل إليه إنسان يريد أن يتحدث معه كان يهرب من كلامه بطرق مختلفة ويحاول أن يشده معه إلى كلام النعمة وبعد نهاية حديثه أي بعد تسليط النور والحق على الباطل والظلمة يسأله "ما هو طلبك يا عزيزي؟" فيجد أن السائل قد اختفت كل أتعابه ولم يجد سؤال أو شكوى للبحث عنه.


وكان إن تحدث بالنعمة يحس من حوله أن عينه كاشفة لما بداخلهم يشع منها نور الإله الذي يملأ نفوسهم قوة وبهجة ونصرة على كل شر وشفتاه اللتان تقطران شهدا إذا تحركتا فانهما ترجان المكان وتهزاه.


و قد حدث في مساء أحد الأيام أن جلس مع إحدى العائلات المسيحية بروض الفرج يتحدث معهم بكلام النعمة والإنجيل وكان الجميع مأخوذين بقوة الكلمة التي كشفت لهم عن إمكانيات الخلاص المقدمة لهم بكنيستهم الأرثوذكسية وذلك بتوبتهم عن كل ما يتصل بانسانهم القديم وحياتهم بانسانهم الجديد المولود بالمعمودية.. وفي هذا الاستغراق والتمتع لم يشعروا بمرور الزمن حتى تنبهوا إلى شروق شمس صباح اليوم التالي وهم لا يشعرون جميعا بحاجتهم الجسدية للراحة أو النوم حتى الأطفال وكانوا في العمر أقل من ثلاث سنوات.




تلذذه باختبار ووصيا الرب :


عاش طيلة حياته كل شغله الشاغل في حفظ وصية الرب والعمل بها، وكانت اشتياقاته الدائمة في معايشة كل آيات الكتاب المقدس وهاتان واقعتان تؤكدان هذا المعنى :


- كان يقرأ في إنجيل متى فوقع نظره على كلمات الروح القدس "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا" (مت 5 : 38)، وكان وقتها شابا صغيرا وقد استجاب المبارك لارادة الروح القدس المعلنة في هذه الآية بكل عواطفه واشتاق أن يتمتع بتنفيذها عمليا، وفي نفس اليوم أثناء سيره في الطريق قاصدا والدته عند إحدى قريباتها متأملا في هذه الآية إذ شعر بمن يصفعه على وجهه صفعة قوية أسقطت طربوشه من على رأسه فانحنى على الأرض والتقطت الطربوش شاكرا اللـه الذي سمح له بان يختبر شركة الآمه ، شاعرا بكيانه الذي لا يتأثر بمقاييس بشرية من ألم وفرح بل أن آلام الجسد هي ذبيحة حب للمسيح.


- دخل عليه أحد أبنائه فوجده نائما وكان مستغرقا في النوم بطريقة غير عادية ولما جلس بجواره على السرير ليوقظه وجده قد قام بعد فترة ولكنه كان سارحا وفكره غير مرتكز وقد أشار إليه بيده ليفتح الإلهي وكان في سفر نشيد الإنشاد فقال له "اقرأ الآية التي أمامك" ، فوجدها "حبيبي أبيض وأحمر"(نش 5 : 10) ، فقال له القديس "إنني كنت يا ابني متمتع بهذه الآية تماما فقد كنت أرى المسيح بثوب أبيض جميل كالثلج ولكنه ملطخ كله بالدماء" وأخذ القديس يبكى بكاءا مرا.




ثمار مدرسة النعمة :


1- بناء كنيسة العذراء فىكوم أمبو


جاءه في أحد الأيام أحد أولاده في الروح ويدعى (فخري) يشكى ويبكى من هدم البعض لكنيسة السيدة العذراء التي بنيت في بلدة كوم أمبو في أسوان فأجابه بقوة الروح القدس "اللي هدم الكنيسة يا فخري هو المسيح له المجد، وهدمها لأنه بيحب شعب كوم امبو لأن الكنيسة مش الحجارة المبنية من الخارج لكنها النفوس المبينة من الداخل فلما تتبنى النفوس اللحمية من الداخل تتبنى الكنيسة من الخارج.


ثم سطر خطابا قويا عميقا عن بناء النفس وحياة التوبة تسلمه فخري ومرره على أهالي كوم امبو فبكوا من تأثير الكلمات وقدموا توبة قوية مثل توبة شعب نينوى ، بعدها بأربعين يوما فقط بدأ اخوتنا المسلمين في دعوة مسيحيو البلد لبناء الكنيسة، وتم البناء ليلا على أنوار الكلوبات وسط تراتيل السيدة العذراء التي كان يتلوها المسلمون والأقباط.




2- توبة شاب محكوم عليه بالإعدام


يعتبر بابا صادق هو الجندي المجهول في توبة أحد الشباب المحكوم عليه في أواخر الخمسينات بالإعدام شنقا، وأن كان أبينا المتنيح القديس القمص ميخائيل إبراهيم هو الجندي الظاهر باعتبار هذه النفس من أولاده الروحيين في الاعتراف.


و قد زار بابا صادق هذا الشاب في السجن مرات قليلة جدا ولدقائق معدودة لكن عمل النعمة لخلاص وتوبة هذه النفس مدهش للغاية واستطاعت رغم قيودها الصعبة أن تصل في وقت قصير إلى أعماق أعماق الروحيات، وعند تنفيذ الحكم اندهش الجميع من السلام العجيب والفرح الذي كان يملأ هذه النفس ومن هالة النور التي كانت تطل من وجهها وهي تقول "بين يديك استودع روحي".


و قد حدثت مع هذه النفس معجزات كثيرة جدا داخل السجن يشهد بها كل من عاشرها، ومن الأمور المثيرة في هذا الموضوع أن هناك لجنة كونت من ثلاثة أساتذة من علماء النفس كلفت بدراسة حالة هذا الشاب ونفسيته وجاء في تقريرهم "إننا نعجب من حالة هذا الشاب الذي يتمتع بسلام عجيب يفوق العقل، كما أننا وجدنا ونحن نتحدث إليه أن فكره وروحه وعقله يفوق ويعلو كثيرا عن فكرنا، حتى إننا كنا نخجل من أسئلتنا له ونشعر أننا بالحقيقة اقل حجما منه. ولكن مما لا شك فيه أن هذا الشاب يوجد فيه سر عجيب يدعى "بابا صادق". ونذكر هنا القليل من عمل النعمة الذي تم في خلاص هذه النفس، فقد حدث بعد أن تمت زيارة القديس لهذه النفس أول مرة في سجنها وحدثها عن محبة اللـه للخطاة ورحمته أن كتبت هذه النفس خطابا "لبابا صادق"من سجنها جاء فيها :


"أبى الروحي،


بعدما كتبت تلك الكلمات أسلمت نفسي للنوم فرأيت حلما عجيبا .. رأيت فتى جميل الوجه يشع نور من وجهه يتشاجر مع رجل قبيح الوجه ينبعث من وجهه آيات الشر والبغضاء على تفاحة ملقية في الأرض والاثنان يجاهدان في أخذ التفاحة وهممت بمساعدة ذلك الفتى الجميل عندما عزمت على ذلك استيقظت من النوم، وبي رغبة ملحة في إضاءة النور واستطعت ذلك بأن مددت يدي من حديد باب الحجرة وأضأت النور وكان ذلك بمنتهى السهولة وقد كان يصعب على هذا قبل ذلك إلا نادرا وبصعوبة. وكم كان فرحى شديد عندما رأيت ذلك الفتى أمامي بكامل ملابسه وتقاطيع وجهه.. نعم فقد رأيته أمامي في الصورة التي أعلقها فوق رأسي وهي صورة السيد المسيح وهو فتى صغير يعلم الشعب في أحد الهياكل وكم سررت لذلك وكشحاذ لم أستطيع أن أفسر هذا الحلم تفسيرا سليما فبادرت بالكتابة إليك حتى تهديني إلى تفسيره.


أغسطس سنة 1957 وجاء في رد النعمة له :


الآن أدركت أن نفسي روحية وأن اللـه الروح الأعلى خالقها ومخلصها وحبيبها يحبها لأنها صورته وأن شيطان الظلمة المضاد للـه يكون مضادا لصورته لذلك يلتمسها ليفسدها فنفسي الروحية الجميلة الشبيهة للمسيح خالقها لأنها صورته والشهية للشيطان عدوها والمضاد لها، لأن إفسادها هي شهوته، أدركت أن نفسي هذه هي التفاحة التي رآها عقلي في تحرره من سلطان الجسد والعالم المنظور أثناء نومي، نعم هي التفاحة بين المسيح له المجد والشيطان .. المسيح يريد خلاصها والشيطان يريد هلاكها، وهذا سر التنازع عليها بين الاثنين وهي مطروحة على الأرض، الذي طرحها على الأرض هي إرادتي التي سخرتها للأرضيات، المسيح حبيبي يريد أن يرفعها لتكون في سماء الفضيلة والنعمة قباله، والشيطان يريد أن يدفنها في جحيم الأرض، أما الآن فقد كشفت لي هذه الحقائق، فإنني أردت مساعدة الشاب الجميل على اقتناء التفاحة أي اتجهت إرادتي إلى المسيح ليملك نفسي و سيملكها لأنها منه وله، لن تكون بعد للشيطان، لأنني لا أعود أريد شيئا ارضيا ولا جسديا، ها أنا أجني ثمرة ما أردته واشتهيته من أمور الجسد والعالم ومع ذلك لم يترك مخلصي نفسي في هذا العبث والضلال غارقة في ظلمة الأرضيات والجسديات بل قد التمسنى في سجنى ولازمني فيه برحمته ومحبته، بل لم يسترح حتى جدد روحي. بإرادتي المضادة لأرادته فتحت لنفسي أبواب السجن وهو بحنانه يحول لي السجن سماءا بإشراقه في ذهني، متغاضيا عن حياتي الماضية التي رصدتها لمقاومة إرادته.


نعم لابد من تداخل إرادتي الحرة لتوحيدها مع إرادته ضد إرادة الشيطان حتى أحقق له ما يبغيه من امتلاك التفاحة وانتشالها من الأرض بمناي عن عدوى الشيطان، لابد من توجيه كل إرادتي نحوه ومقاومة الشيطان حتى يتم له اقتناء التفاحة التي هي نفسي وسيقتنيها بل أستطيع أن أقول من قبل محبته الفياضة انه اقتناها فعلا لأنه ليس في الآن أي إرادة لأفكار وتوجيهات الشيطان.. أدركت الحق وعرفت أن العالم والجسد باطل وظلمة وعقاب وموت، الآن إذ اقتنى هو نفسي باقتنائي روحه فإنني لا أحيا بدونه بل هو معي في كل ظروف حياتي، بل هو حياتي، لا أتألم وحدي ولا أقاسي أعمال العالم وأبناء العالم ضدي وحدي بل هو معي يتألم ويقاسى من العالم، يقاسى ويتألم مما جلبته أنا عليه بانتمائي إلى العالم وروح العالم.. إن كنت اشعر أنني أتألم بعدل وأرضى بالألم لأنه جزاء حق وجزاء عادل إن آلمي الحقيقي هو لأنى كم جعلت حبيبي وإلهي ومخلصي يتألم وإن الذي اشعر به هو ألمه هو في وإذا كان اسلم ذاته للعذاب والموت ظلما من معذبيه وصالبيه وكان راضيا غافرا فكم يجب أن اقبل العذاب عدلا وجزاء وفقا لما ارتكبته ضد إرادتي..


الآن أدرك كيف كنت اشتهى إن يكون سجنى وتعذيبي ومحاكمتي من اجله هو ومن اجل عمل إرادته فأكون مباركا للاعنى ومصليا وغافرا من اجل المعتدين على مباركا وغافرا بروحه هو في ولكن إذ اردد قول اللص اليمين نحن بحق صلبنا أما هذا البار فمن يستطيع أن يبكته على خطية، اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك، نعم سأردد قول اللص اليمين بعدل إلى هنا اثبت وبعدل أعذب لأنى أهنت الاسم الغالي الذي احمله وهو مسيحي، واردد في آلامي اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك مؤمنا أنه يجيبنى "أنت اليوم تكون معي في الفردوس" بل إنني أؤمن إنني الآن في فردوسه فعلا ، فردوس معرفة الحق، فردوس حياة الروح، لا يهمني الجسد ، الروح لا سلطان لأحد عليها غيره، هي ملكه لوحده، فليسجنوا جسدي ويعذبوه إنني من قبل حب المسيح وروح المسيح بروح المسيح لست جسدا بل روحا تحيا في المسيح حرة طليقة سعيدة مسالمة غافرة لأن مسيحي غفر لي ، مسامحة لأن مسيحي سامحني، ترد الخير مقابل الشر لأن مسيحي هكذا عاملني فأسلمته روحي وأسلمني روحه، الآن أدرك بروحه هو في معنى من ضربك على خدك الأيمن حول له الآخر أيضا، أدوات الكمال، الكمال الذي هو اقتناء روح المسيح الذي يغلب الشر بالخير والعداوة بالحب والتعدى بالصفح ، ليس هناك تناقضا بل كمالا وسموا، التصرف البشرى يسمو إلى تصرف إلهي بروح المسيح الإله في البشر نعم بهذه الروح أدركت كيف أن قبل مجىء المسيح لخلاص البشرية كان كل الروحيين أقيموا في العهد القديم مثالا له، سراقا ولصوصا، لأن السارق يقتنى ما ليس له واللص يغتصب ما لغيره وهؤلاء كانوا مثالا له دون أن يكون لهم روحه، فاغتصبوا اسمه وكانوا سراقا ولصوصا لشخصيته لأن ناموسهم عين بعين وسن بسن وموت مقابل موت، فكم اهلكوا وكم أماتوا أما المسيح الملك الحقيقي والراعي الحقيقي فيعطى حياته لقاتليه ليموت عنهم ويحيون هم.


الآن أدركت بعمل المسيح في كل شئ لأنني أدركت إن الحياة هي المسيح له المجد إلى الأبد آمين.


12 أغسطس 1957






مع الأباء المعاصرين


لا يفوتنا يا أخوتي أن نسجل فرحتنا في هذه السيرة العطرة بشهادة حية للتاريخ في علاقة بابا صادق بقديسى القرن العشرين من الآباء المعاصرين الروحيين عاشروا القديس في مصر أو الإسكندرية..




البابا كبرلس السادس :


يقول أبونا لوقا سيداروس "في حديث لي مع المتنيح البابا كبرلس السادس في سنة 1967م، وكنا في هيكل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية طلب إلى البابا القديس أن احضر له عم صادق فذهبت في نفس اليوم وقلت له إن سيدنا البابا يريد أن يراك، فنزلت الكلمات كالصاعقة على الرجل ظل يبكى بصوت مسموع ويقول لي "اللـه يسامحك، مش تستر على لغاية ما أعدي .. أنا الحقير ماذا يريد منى البابا .. وكنت اهدىء من روعه أن الموضوع لا يتعدى مجرد الرؤيا أو التعارف وأخيرا قال لي سأذهب إليه وأطيع كلمته ولكن سأسلم عليه وآخذ بركته في وسط الشعب دون أن اعرفه بنفسي، وطلب إلى المسيح له المجد بصلوات وبتوسلات أن يخفى شخصه عن البابا فلا يعرفه لأنه كان يعلم أن الرب أعطى البابا هذه النعمة وموهبة كشف الأسرار، وقد كان ، فذهب إلى البابا متخفيا ولم يعرفه البابا في وسط الناس وهكذا اظهر هذا البار اتضاعا ومسكنة روح يعز أن نراها في زماننا الحاضر.




المتنيح الأنبا يؤانس:


تعرف الأب شنودة السريانى (المتنيح الأنبا يؤانس – أسقف الغربية) بقديسنا "بابا صادق" عن طريق أحد أولاده الروحيين وهو الدكتور مجدى رزق (الأستاذ بكلية الهندسة) وزوج تاسونى عفاف (ابنة الطوباوي المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم) وزاره مرارا في دير السريان وكانت أرواحهما تتلاقى في السمائيات حينما كانا يجلسان معا ويتحادثان فيما يخص الانطلاق الذي للنفس البشرية.


هذا وقد وجدنا هذا التعليق في رسالة لبابا صادق إلى إحدى بناته الروحيات فيقول ضمن ما قاله " لقد سافرت قبيل سفرك للدير ولم أتمكن من البقاء مع أبى الحبيب شنودة السريانى كطلبه لأنني وصلت هناك في أشد حالة الأزمة فتركته في يومها، ولم أتمتع بقضاء يوم واحد معه" (رسالة بتاريخ 14/11/1967)


و بعد رسامة الأب شنودة السريانى أسقفا للغربية، قام بزيارة لمنزل المتنيح القديس في الإسكندرية وما أن دخل من باب شقته حتى سجد بكل وقار إلى الأرض وقبلها في خشوع ورهبة ثم قضى ليله نائما على سريره.




القمص ميخائيل إبراهيم:


تشاء عناية اللـه أن يجتمع أبونا القديس الطاهر القمص ميخائيل إبراهيم مع الكوكب المنير بابا صادق في سماء ارض شبرا حتى أن قديسنا قد لقب أبونا ميخائيل ب "عم نوح" لأن حضنه الكبير يجمع كل فئات الشعب بكل الخدمة والحب الأبوي، وقد قام قداسة أبونا ميخائيل بزيارة القديس في الإسكندرية، وعرفه بأحد أولاده الروحيين وهو القمص بيشوى كامل راعى كنيسة مارجرجس بحي اسبورتنج.




القمص بيشوى كامل:


يكفينا أن نقول أن آباء الإسكندرية بجملتهم يخضعون بروح البنوة والتلمذة لعم صادق وعلى رأسهم أبونا القديس القمص بيشوى كامل الذي كان ينال قسطا من الراحة بعد عناء الخدمة في بيت عم صادق فيتعزيان معا بكلام النعمة وفيضها. ولأن أبونا بيشوى كانت له استنارة الروح القدس فقد كان يكشف أعماق وأبعاد بابا صادق.


و من ثم فقد عرفوه أيضا شركاءه في الخدمة الكهنوتية (أبونا تادرس يعقوب وأبونا لوقا سيداروس)


و نذكر قصتان من علاقتهما معا :


- حكى أبونا بيشوى انه في أحد المرات ذهب معه مرة لتقديم ذبيحة التناول لأحد الأشخاص وكان يسكن بالدور السادس في أحد المنازل وكان القديس منهك القوة جدا ومتعب للغاية فنظر له أبونا بيشوى متأثرا لتعبه أما بابا صادق فبكى وقال يا حبيبي يسوع يا حبيب البشرية أنت لا تريد هلاك نفس واحدة مثل مثلما ترجع وتتوب، أنت يا حبيبي ترفضك النفوس وتبعد عنك وتشقى بنفسها حتى تمرض، وأنت لا تتركها بل تأتى لها أينما كانت وآدى النفس دى يارب مش قادرة تتحرك وتنزل السلالم فتتعب أنت يا إلهي وتجيلها فمجد أبينا بيشوى اللـه على نعمته في قديسيه الذي كان بتصرفه هذا مؤثرا للغاية.


- أسرع أبونا بيشوى في أحد الأيام إلى بيت بابا صادق وهو يقول له "الحقنى يا عم صادق فيه خروف عندي ها يضيع" فهدأ بابا صادق من روعه وعرف منه أن إحدى الشابات ستبيع نفسها للشيطان وترتد حتى يتسنى لها الزواج من أحد وكلاء النيابة الذي تعلق بها, وقد قام أهلها بإبلاغ أبونا بيشوى كامل بهذه الأحداث الأليمة الذي قام بدوره بإبلاغ بابا صادق الذي اتفق معه على فرض صوم لمدة 3 أيام ممتزج بصلوات حارة يرفع خلالها قداسات يومية لأجل هذا الموضوع العصيب. وبالفعل تتدخل عناية اللـه وينقل وكيل النيابة إلى أسوان لمدة سنة، ومن ثم فقد احتضن قداسته هذه الفتاة وسلمها إلى أحضان بابا صادق وتاسونى انجيل زوجته لتكون في رعايتهما وقد غسل بابا صادق قلبها بكلام النعمة واقتادها للتوبة عبر جلسات روحية عميقة مركزة.




القمص ميخائيل داود :


القمص ميخائيل داود شيخ الكهنة بكنيسة العذراء بروض الفرج وجدنا له موقف حيوي يجمعه بابا صادق، ففي يوم دخل إليه أبينا ميخائيل بصحبة رجل وزوجته في خصام لأكثر من 3 سنوات ويطلبان الطلاق من كثرة الدعاوى والمحاكم والشكاوى بينهما حتى يمكن للقديس كتابة مذكرة يبرر بها طلاقهما، وعلى هذا الأساس ذهب الزوجان معه. وعندما دخلوا إلى بيته بشارع ارسلان بروض الفرج وجدوه في استقبالهم وهو في حالة من البكاء الشديد والألم. فسأله أبونا "مالك يا عم صادق؟" فقال القديس "أنا يا أبونا متألم على خطبتي التي صلبت المسيح وشاعر بحب المسيح الذي يغمرني ويغمر الكل والناس مش حاسة بهذا الحب ولا بقيمة تمتعهم بالروح القدس الذي فيهم، واستمر البار في كلام النعمة وهو في حالة من دموع لا تنقطع لأكثر من 3 ساعات متصلة والجميع في حالة من الدهشة والتعجب من هذه الروح الفياضة المفرحة المعزية.. وبعد انتهاء الحديث التفت القديس إلى قدس أبونا وقال له "إيه يا أبونا اللي تطلبه؟ ممكن أقوم بأي خدمة؟" فنظر الكاهن إلى الزوجين وقد ازدهر وجهيهما بنور عجيب وكل منهما يبكى، ثم قام كل واحد منهم يقبل الآخر وسط تعجب الكاهن وهو يمجد اللـه على عمله.




القمص لوقا سيداروس :


يقول قداسته تحت عنوان "أغرب من الخيال" : كنت أصلى القداس الإلهي في بداية حياتي الكهنوتية وكان عم صادق يقف كعادته في خورس المتناولين منذ بدء الخدمة، وكان على أن أعظ في ذلك اليوم وأفسر انجيل القداس، ثم حدث في المساء أن مررت على عم صادق بمنزله للزيارة ووجدته متهللا بالروح ووجهه يفيض فرحا وبادرني قائلا "مبارك اسمك يارب، أنا متعجب من محبة اللـه وعمله غير المعقول" فقلت له "ماذا حدث حتى انك تقول هذا " قال لي كاعتراف "في أثناء العظة في القداس اليوم كانت تأتيني أفكار معزية وعالية جدا ووجدت أنه خير أن ينتفع بها الشعب الحاضر بالكنيسة، فطلبت من المسيح أن يعطيك هذه الأفكار لتنطق بها والعجيب انك نطقت في ذات اللحظات ليس بالأفكار فقط بل بنفس الكلمات بالحرف فصرت اسجد في الهيكل واقبل قدمي الرب واشكر نعمته العاملة فينا والروح الذي يؤازرنا ويستجيب إلى طلبتنا.




القمص تادرس يعقوب الملطى :


و من المواقف التي آثرت في أبينا تادرس أنه في أحد المرات دخل عم صادق إلى الهيكل في ذات يوم وهو منفعل ببكاء شديد فلما سأله عن سبب ذلك قال له وهو يبكى "إن أختي في المنزل متألمة وحزينة من اجل فقدها مبلغ 5 جنيهات، ونحن يا أبونا يسرق منا ملكوت اللـه كل حين بعدم تقديرنا لحب المسيح وأمانتنا له ولا نهتم بذلك."


فياله من تعليم قوى عملي طبيعي يعلنه الروح القدس في حياة الإنسان.




كتاباته وتسجيلاته


خلف القديس بعد انتقاله ذخيرة كبيرة وثمينة للغاية من الكتابات الروحية النفيسة جدا التي كان يكتبها بخط يده في تأملاته الروحية الخاصة وفي تأملاته بدموعه أثناء صلاة القداس الإلهي ومع أولاده في الرب سواء في كلامه بالنعمة أو كتاباته لهم والتي يعتبروها جواهر غالية من جواهر الروح القدس في حياة الإنسان المسيحي العملية. وقد سمحت إرادة اللـه إن يسجل القديس بصوته على آلة تسجيل في السنة الأخيرة من حياته وموضوعات هامة تعتبر ذخيرة حية من الروح القدس للكنيسة بأجمعها ومن هذه التسجيلات :


- تفسير كامل لسفر الرؤيا (حوالي 14 ساعة)


- تفسير كامل للقداس الإلهي لأنه حياة المسيح على الأرض (أي الأرض السمائية أو السماء الأرضية) – حوالي 10 ساعات


- تفسير كامل عن معنى ظهور العذراء في كنيسة الزيتون ودلالتها الروحية وبخاصة في هذه الأيام، وماذا تقصد السماء من هذا الظهور المبارك، وهو تفسير روحي عميق ويكشف عن أبعاد هامة جدا لأيام آخر الزمان التي نعبرها الآن .


- تسجيلات هامة فريدة عن نهاية الأيام والأحداث الأخيرة


- تسجيلات عن حياة الطهارة والإيمان في المسيح


- تسجيلات عن حياة القلق والاضطراب


و تعتبر كل هذه التسجيلات عميقة في الروحانية ومليئة بالتعزيات السمائية وتعتبر كلمات النعمة على فمه الطاهر في تفسير القداس الإلهي آية بالغة من إعلان سمو القداس الإلهي عندما يتمتع به الإنسان المسيحي كما قصد الروح القدس فهو يعتبر بنعمة المسيح أن الكنيسة هي السماء على الأرض أو الذبيحة الإلهية هي المسيح فعلا والهيكل هو الجلجثة.


كما توجد لدى أحد أبناءه كل هذه التسجيلات التي نقلها منه كثيرون في جهات كثيرة بالإضافة لمجموعة كبيرة من الخطابات التي سجلها وأرسلها لأبنائه في مناسبات كثيرة تزيد عن 800 خطاب وكذلك مجموعة من مكاتبات وتأملات خاصة.




مواهبه الروحية :


أ- الرؤى والاستعلانات :


- حبا اللـه القديس بمواهب متعددة حسب غنى المسيح في المجد، فكان يرى ملاكه الحارس كنور شديد ملاصق له طيلة حياته، وقد افصح بملازمته له منذ أن التقى بعواطفه مع المسيح بعد وفاة والده حتى قرب الستين من عمره، وكان يشعر به تماما كما يجلس شخص بجوار شخص آخر.. وأضاف بأنه اختفى بعد ذلك في الفترة التي كثر فيها احتكاكه بالناس وتحدثه معهم.


- كما كان يرى جميع القديسين في الهيكل أثناء صلوات القداس وعند ذكرهم في المجمع كان يراهم بالعيان واحدا واحدا ويميزهم وكثيرا ما كان يرى القديس مارجرجس وكثير من القديسين وخاصة في أعيادهم.


- كثيرا ما كانت السيدة العذراء تظهر له وبخاصة في سهرات شهر كيهك بعذراء روض الفرج ونذكر أنه في أحد الأيام ظهرت البتول العفيفة بعد منتصف الليل بالكنيسة وقد خرجت من الهيكل بثوبها الأخضر الجميل ومعها صليب في يدها فباركته به وهو واقف إلى جوار الهيكل فانحنى ليقبل الصليب ، بعدها دارت في صحن الكنيسة وسط دهشة وتصفيق الكثيرين ومنهم أولاد "بيت النعمة" التابعين للملجأ الذي أسسه المتنيح القمص داود المقارى ثم عادت إليه مرة ثانية وباركته بالصليب ثم دخلت إلى الهيكل واختفت بعدها.


- ذكر الأستاذ ميشيل يسى أن القديس تمتع بأمجاد السماء وكان يرى القديسين كشيء طبيعي في كثير من المواقف، فمثلا كان يقول في بساطة "ياه ده أنا النهارده شفت الست العدرا" كما لو كان إنسان يصف مقابلته لأحد الأصدقاء.




ب-إخراج الأرواح النجسة :


أعطاه الله نعمة وسلطان على الأرواح النجسة التي كانت لا تحتمل مجرد رؤيته أو رسمه لعلامة الصليب وصلوات مزاميره حتى أنه في أحيان كثيرة يحضرون المصابين بأرواح نجسة إلى كنيسة العذراء بروض الفرج ثم يركع هو بجوار الهيكل ويصلى في حرارة بمزامير وتسابيح كثيرة فتخرج الأرواح النجسة التي يصلى عليها الآباء كهنة البيعة الذين يستمدون القوة على ذلك من صلواته وطلباته,


و كان يقول لأبونا بشارة المتنيح "حط ايدك يا أبونا على رأس المريض وأنا ها أصلى جنب الهيكل والروح القدس ها يسندك" فكان اللـه يتمجد في حالات مستعصية كثيرة بايمانه ثم تزف هذه النفوس في الكنيسة فرحا بالشفاء.




ج- معجزاته


1- إطفاء لهيب النار:


كان يتحدث بأقوال النعمة المفرحة مع أبناءه بمنزله بشارع الخشاب في روض الفرج وهو جالس على سريره وأبناؤه من حوله فهب وابور الجاز فجأة في "فردوس" الشغالة وتعلقت بها النار ثم أمسكت النيران بصفيحة الجاز في المطبخ, فصاحت الشغالة وصرخت "الحقونى" وكادت النيران أن تلتهمها وقد امتلأت قوتها حتى الصالة فقام القديس مسرعا والتقط حفنة مياه قليلة من الحنفية ورسمها بعلامة الصليب قائلا "صوت اللـه يطفئ لهيب النار" (مز 29 : 7)، ثم ألقى حفنة المياه على الشغالة والنيران المشتعلة فانطفأت في الحال وكأنه لم يحدث شيئا مطلقا، والعجيب في الأمر انه عاد لموضعه وأكمل حديثه مستمرا في كلام النعمة وأبناؤه من حوله مأخوذين بحلاوتها، بصورة تفوق بكثير إحساسهم بالمعجزة التي حدثت.




2- إنقاذه من حادثة الترام


ذات مرة وأثناء عودته من المصلحة وهو يحمل بيده زجاجة دواء وفي ركوبه للترام تنزلق قدماه ويداه فيقع في الأرض تحت عجلاته وهو يمسك بحديد الترام، وصار مشدودا طيلة محطة كاملة وسط صراخ الناس، لكن السائق لم يلحظ ذلك إلا عند وقوفه في المحطة التالية فتجمع الناس من حوله ظنا أنه قد مات، وكانت المفاجأة بأنه انتصب وجلس في الترام دون أن يصاب بخدش، فأخذ الجميع يمجدون اللـه بينما قديسنا يقول عن هذه الواقعة بأنه عندما وقع شعر بيد تحمله وتضعه على رفرف الترام، وبذلك لم يمسه أذى وكانت يد الملاك الحارس له.




3- شفاء مريض بالسرطان ثم انتقاله


كلفه القمص داود المقارى في أحد الأيام بزيارة مريض بالسرطان في أحد المستشفيات، فذهب إليه بصحبة المتنيح القمص يوحنا عبد المسيح كاهن كنيسة العذراء بروض الفرج، فأخذ بابا صادق يحدثه عن حياة التوبة ولذة العشرة مع اللـه وشركة الروح القدس والتمتع به، وقال له "إن قبلت روح التوبة فيك سيشفيك اللـه، فتأثر المريض جدا واستجاب لروح التوبة فعلا، وبعد يومين ذهب له الكاهن يوم الأحد لمناولته وبعدها جاء الطبيب النوبتجى المتابع لحالته وذهل من اختفاء الورم الخبيث والذي كان واضحا فيه من قبل، فعاد الطبيب إلى التقرير المكتوب على سريره ليتأكد من صحة ما كان بهذا المريض، ثم استدعى الطبيب المعالج (الأخصائي) ليتأكد مما حدث فاندهش بدوره ثم استدعيا رئيس القسم الذي حضر وكشف عليه بعناية فلم يجد أدني أثر للمرض. ولما علم المريض ذلك قام متهللا صارخا "المسيح شفاني ، المسيح شفاني" وخرج من المستشفى فرحا وذهب لمنزل القديس وهو يتحدث مع كل أحد بصنيع الرب فنبهه القديس أن الرب قد قبل توبته وسيأخذه إليه بعد شهر ، وفعلا عاش الرجل شهرا واحدا ثم رحل إلى السماء في تمام القداسة والتوبة وكان انتقاله بصورة طبيعية.




4- شفاء شاب بمرض معدي :


حدث مرة أن كلمه أحد خدام الكلمة عن شاب مرض بمرض قال عنه الأطباء "أنه مرض نادر الحدوث، وهو معدي لكل من يقترب منه ويجعل المريض ذو رائحة كريهة للغاية فكان أهله يضعونه في حجرة في نهاية طرقة طويلة ويقدمون له الدواء والطعام من خلال ثقب في اسفل الباب بواسطة يد طويلة وكانوا في حالة حزن وبكاء مستمر، فصلى المبارك أن يرشده اللـه لحقيقة هذا الشاب، وبعد صلاته خرج مع الخادم وهو شاعر بأن اللـه يدبر خيرا، وفعلا ذهبوا إلى المنزل وأراد بابا صادق مقابلة الشاب فمنعه أهله ببكاء شديد خوفا من أن يموت بنقل العدوى إليه واخبروه أنه غير مسموح لأحد أن يدخل إليه لخطورة مرضه، ولكنه طمأنهم أنه بالمسيح سيدخل، وفعلا دخل بمفرده لذلك الشاب وأخذ يحدثه عن قوة اللـه في الضعف ومحبته فاستجاب الشاب متأثرا بكلام النعمة ببكاء شديد ففي الحال اختفت الرائحة النتنة التي كانت تنبعث منه وطلب القديس أن تقدم له نعمة التناول من الأسرار المقدسة بعدها شفى الشاب تماما وكان أهله يسبحون ويمجدون ويشكرون صنيع اللـه على تحننه بالشفاء لهذا الشاب.




5- قامت من غيبوبة استمرت لشهور


كانت زوجة زميل له في المصلحة (يدعى حبيب) مريضة بمرض عضال قال عنه الأطباء أنه لا يمكن الشفاء منه ولكن كان يقدم لها بعض المسكنات لأن عمرها لن يطول اكثر من شهور وكان البار يزورها يوميا بعد نهاية عمله بالمصلحة بكل الحب متأثرا لما هي فيه وبعدما ساءت حالتها جدا أخبره صديقه بأن زوجته بخير ولا داعي لأن يتعب نفسه ويزورها لشعور صديقه بمدى الألم والتعب الذي يحس به بابا صادق حين يرى زوجته المريضة وبالفعل انقطع المبارك عن زيارة منزل صديقه طيلة 4 أيام ومساء اليوم الرابع شعر بحنين شديد لزيارته، فقام مسرعا وذهب إليه فسمع صراخ شديد بالمنزل وعويل فانزع بالروح وذهب مسرعا لسريرها وكانت الساعة 8 مساء (و قد ظن أهلها أنها توفيت منذ الساعة الرابعة) وصرخ القديس في الحال "فين أختي ايلين، فين أختي ايلين" وقد امسك عمود الحديد المحيط بسريرها بإحدى يديه ورفع اليد الأخرى ليصلى وإذ بالحجرة تمتلئ برائحة بخور ذكية جميلة جدا ملأت البيت بأكمله، وفجأة حركت المريضة رأسها وكانت قبل ذلك في غيبوبة لمدة طويلة تصل لعدة شهور فناداها القديس وقال لها "أختي ايلين، هل رائحة البخور مضايقاك؟ فنطقت لأول مرة وقالت "أبدا يا اخويا صادق" فقال لها "لقد كان بفضل انك مع أخيك (يقصد نفسه) أن تمتعت برؤية المسيح حالا فوق رأسك بثوبه الأبيض، وهو يضع يده على رأسك ، قومي يا أختي المسيح شفاكى" ومن هذا الوقت قامت المريضة بكامل صحتها وعافيتها.




6- إقامة حكمت من الموت :


حكمت ابنة أخيه المتوفى والذي عهد بتربتيها ورعايتها مع والدتها "فايقة" تزوجت من إنسان شرير قاسى أتعبها كثيرا وأهان بابا صادق كثيرا وكان قديسنا يتحمل آثامه وأخطائه وإهاناته ويصلى لأجل خلاص نفسه. وقد قام هذا الإنسان في ذات مرة بالشجار والخصام والإهانة والتهديد لزوجته حكمت والتي كانت مصابة بارتفاع في ضغط الدم وإذ بها تنهار وتصرخ وتقع ميتة. فقام أولاد القديس بالروح بحملها ووضعها على السرير وقد تغيرت بشرة الجسم إلى اللون الأزرق وتوقفت عن التنفس وبرد الجسم بأكمله، فجاء القديس ووقف في حرارة ودموع أمام أيقونة العذراء بحجرته وهو يقول "الحقينى يا عدرا يا أمي، الحقنى يارب، يا مارجرجس الحقنى، ما تسمحش يا إلهي انك تاخد روح بنتى دلوقت قبل ما تكمل توبتها" وما هي إلا لحظات حتى هاج الآخرين من حوله أنها قد عادت للحياة ودبت فيها الروح من جديد والدم بدأ يسرى في عروقها وتختفي زرقة الجسد فيتحول إلى لونه الطبيعي وقد تفتحت عيناها ونبض قلبها ثانية وسط دهشة الكل وبكاءهم فصار الجميع يمجدون ويسبحون اللـه.




د- سلطان الكشف الروحي :


1- كانت كلمة القديس نافذة جبارة قاطعة، ما أن يتفوه بشيء إلا ويحدث تماما لعلمه المسبق بوقوعه بقوة الروح القدس الذي كان يكشف بداخله أغوار المستقبل وأحداثه.


و يحكى مرة انه ذهب للصلاة على صبى مريض فخرج يقول لوالدته "ربنا هياخده" فقالت "ليه" قال "ربنا قال أنا عاوزه" وأخرى قال لها في إحدى المرات "ابنك ده ابن هلاك" وقد كان، فحينما كبر ارتد وباع المسيح.




2- جاءته في أحد المرات ابنة من خاصته الروحيين لتأخذ مشورته في أمر الارتباط من أحد الأشخاص فصلى من اجلها وكشف له الرب بأن هذا الإنسان سينتقل قريبا فقال لها "يا بنتى ما تتجوزيهوش، ربنا مش رايد الجوازة دى وهياخده عن قريب فبلاش تترملي وتعيشي في مرار بعد كده". إلا أنها لم تقتنع وعرضت الكلام على أحد الأطباء العقلانيين الذي تأفف من كلام القديس ونعته بالجنون، وهو يقول "هو كان ها يدخل في علم الغيب؟ وبالفعل تزوجته وعصت كلام رجل اللـه وكان أن ترملت بعدها بشهور قليلة جدا وتدهورت حياتها لأجل حملها أيضا.




حروب الشياطين :


قامت مملكة الشياطين على مدار حياة القديس بمحاربته بطرق وأنواع شتى، فكانت تضايقه عن طريق غربلة أولاده الروحيين والنفوس المؤتمن على رعايتهم (أي المعنى بخلاصها الروحي) واكبر ضربة في ذلك أن يشوه الشيطان وجنوده صورة السماء أمام مريديه ويزينون الأرضيات أمامهم فيتصادمون مع المبادئ الروحية التي تربوا عليها تحت أقدام القديس.


حتى أن أحد السيدات رأت في حلم اجتماع لرئيس الشياطين بمملكته الشريرة وسؤاله عما فعلوه بصادق، فكانت إجاباتهم مركزة في مضايقته عن طريق من حوله، أما هو فلم يستطيعوا مجرد الاقتراب منه.


و في مرة حكى القديس بعد أن قام من نومه بأن الشياطين قد اجتمعت من حوله وضربته بالسياط بقسوة وعنف حتى كاد جسده أن يتقطع لكنه فرح ومجد اللـه الذي أعانه على مواجهة جلداتهم له وقال وهو يحكى "لكنى كنت فرحان ومليان من سلام اللـه.




المرض والتعزية


رأي الجميع بأعينهم وشاهدوا كيف كان القديس يمات كل النهار في الآم جسده ولكنه كان يشكر اللـه دائما والابتسامة على فمه رغم أنه مريض بالربو (حساسية الصدر) وهو من الأمراض الخطيرة، حقا كان هذا ليس تظاهرا ولا افتعالا بل نطقا بطبيعة السلام الروحي التي يحيا فيها أولاد اللـه بحياتهم الروحية ولا يعزيهم في حياتهم به إلا وجود اللـه معهم بروح قدسه فيهم مثلما كان مع الفتية القديسين في أتون النار المتقدة. والعجيب أنه لم يهتم بطلب الشفاء لنفسه في صلاته إلى اللـه ولما سئل عن سبب ذلك قال "إنني أؤمن يا أولادي إن اللـه أمين وصادق في مواعيده وسيستجيب لي متمشيا مع طلبتي في الشفاء ولا أريد إظهار هذه الرغبة لتعلن في إرادة اللـه فقط لا إرادتي فكل يوم ألمس بركات المرض من ظهور عمل الروح القدس في ضعفى".


و قد وجدت عدة تأملات كثيرة للطوباوي في فترة مرضه دونها بيده قبل انتقاله وفيما يلي مقتطفات منها :


أشكرك يا إلهي ومخلصي لأنك جعلتني بروحك القدوس أدرك واشعر بأن مرض جسدي وتعبه هو علاج لأمراض روحي، إذ اهتم بالباقي دون الفاني، والروح دون الجسد، فأنحصر في مواعيدك الروحية بروح قدسك وفي محبتك وطول أناتك والتجرد من كل ما جرته إلى داخل كياني وروحي وحينئذ تميزني أنت بحبك وبشخصك فتشفى نفسي واشعر بأن شفائها هو شفاء لجسدي إذ يصبح أداة بيد نفسي المملوكة لك أي اصبح جسدا ونفسا ملكا لك وتصبح أنت حياتي بتذوق نفسي حياتك هذه عمليا بالروح القدس يوميا بمراحلها من الميلاد حتى الصعود في صلوات الروح وفي شركة الأسرار المقدسة والأصوام وأعيادك وحياتك في حياة قديسيك، بل وحياتك المعلنة بما ينقله إلى حسي الوجود وكل ما فيه، إذ بهذا أتممت خلاصي من إنساني القديم، إنسان الفساد والموت والظلمة والجحيم الأبدي الروحي اختفى هو وعالمه الميت، أما فيك يا مخلصي عدت بإنساني الجديد إلى ممارسة تمتعي بالحياة معك كصورتك ومتسلطا على كل ما خلقته لي على مثالك أنت خالقي واصل كياني الإنساني كصورة حية لك وبك.


+++


إلهي الحبيب الفادى يسوع، خلصتني من ذاتي بتجسدك مصلوبا عنى على الصليب الذي أحمله في صورة جسدي وكل جسد وأنت عنى عليه مصلوب، يشعرني شعر رأسي بإكليلك الشوكي، ويداي وقدماي بمساميرك، وجنبي بطعنة الحربة في جنبك وكل ما أشربه بمرارة الخل الذي سقيته في عطشك وعرقي يشعرني بدمك المسفوك عنى وأشعر في تردد أنفاسي بلهيب نيران آلامك وفي نبضات قلبي بصدى أوجاعك على الصليب.


+++


كل ذلك من أجلى أنا الخاطئ مبررا بفدائك الإنسان ومعيدا إياه إلى صورتك في شخصك الذي فيه أرى كل وجه في وجهك، بل فيه أرى وأحس بكل السموات وملئها والوجود بكلياته.


+++


حقا يا إلهي ومخلصي الحبيب أبناءك هم أبناء النور والحياة والقداسة في المسيح فاديهم الحبيب وفيه وفي حبه وحده منحصرون، وغير أعمال صلاحه وحبه لا يستقبلون ولا يدركون إلى الأبد، فهم في ملكوته بإنسانهم الجديد يعيشون ويتنعمون وبالروح القدس للمسيح لابسون ومن خلاله يرون به ما يرون وفيه مع الآب بروح قدسه يتناجون كأبناء وورثة للـه بعربون ميراثهم وهو روح قدسه يتنعمون إذ به تنسكب محبة الفادى التي فيها يذوبون، فلا غرابة إذا بدوا لأهل الجسد انهم عميان وبكم، بكل أمور عالمهم لا يحسون لأنهم بإنسانهم الروحي في عالم الملكوت بالروح القدس في المسيح الحبيب وحده يحيون وغيره لا يدركون لأن غيره بالنسبة لهم فناء وظلمة بكل كائناته عدم فلا يوجدون وهم في نظر أهل العالم على أنفسهم منطوون وفي صومعة الصمت أغلقوا على كيانهم فلا يسمعون ولا يبصرون فهم عن العالم مائتون وبالنسبة لأهل العالم لا يوجدون.


+++


فادى الحبيب يسوع المسيح، أنا الخطية ولكنك أنت لي البر، أنا الموت، ولكنك أنت لي الحياة، أنا الضعف وأنت لي القوة، أنا العار وانت لي المجد، أنا الذل وانت لي العزة، لأنك أخذت الذي لي وأعطيتني الذي لك، وانت ثابت في.. فأنت يارب لي الحياة والقوة والمجد والبركة والعزة والسعادة والنور والحكمة إلى الأبد وأنا متغرب في الجسد وفي العالم إلى أن اعبر بك وفيك ولك وحدك طريقي إلى موطني السمائى فأدخل إلى خدر عرسك الإلهي كعروس لك في أورشليم السمائية يا عريس نفسي المجدد انت خلقتها فيك أيها الحبيب وحدك لكل جنس البشر.




نياحته ودفنه


يقول أبونا لوقا سيداروس "عندما أصيب عم صادق بمرض الحساسية في صدره وكان المرض يمنعه من النزول حتى إلى الكنيسة، كان يعيش وهو في منزله معنا بالروح في الكنيسة، يتابع القداس بروحه حركة حركة وكلمة كلمة، وكان يشعر وأن كان غائبا بالجسد ولكن روحه تتمتع بشركة الكنيسة وعبادتها وعندما كان يضطر إلى التناول من الأسرار المقدسة وهو في المنزل بسبب المرض، يا للمخافة والرهبة ويا للحب الجارف الذي كان يقدمه للمسيح ودموعه كانت تملأ عينيه قائلا: " انت يا حبيبي جاي لحد البيت الحقير ده، لعبدك المسكين" وكان رغم ضعف جسده ومرضه الشديد يسجد متواترا إلى الأرض وهو بالكاد يلتقط أنفاسه ولكن الروح النشيط كان لا يكف عن تقديم العبادة والبذل والحب لذلك الذي احبنا إلى المنتهى".


و رغم اشتداد مرض الحساسية عليه في أيامه الأخيرة وصعوبة تنفسه إلا أنه كان ملتهبا دائما بالغيرة نحو كلمة اللـه الحية، فما أن يفتح فمه للحديث بكلام الحياة الأبدية تختفى آثار المرض بالتمام ويعود للتنفس بشكل طبيعي، وكانت زوجة أخيه تبادره قائلة "يا أخى أنا حقا متعجبة من أمرك، من دقائق قليلة كنت في حال الموت، فما بالك الآن تتكلم ، اسكت قليلا لتستريح فكان يجيبها بابتسامة لطيفة "يا أختي إلا تعلمين أن كلمة اللـه حية ومحيية أنني وأنا انطقها بفمي تحييني".




انشغل بابا صادق في أواخر أيامه بموضوع نهاية العالم والأحداث الأخيرة وكأن الروح القدس قد كشف له بقرب مجىء العريس لينبه الجميع إلى الاستعداد لملاقاته في عمق التوبة والسهر الروحي.


و قد شاء الرب أن يكون ظهور السيدة العذراء فوق قباب كنيستها بالزيتون قبل رحيله بعام تقريبا ولأن نظرته دائما فوق المنظور والمحسوس فقد أقر لأولاده بالروح :أنا مش محتاج أشوف العدرا خارج قلبي ، العدرا جوايا ، جوايا وحاسس بيها، دى أمي أدور عليها خارج قلبي ليه؟"


هذا وقد فسر القديس هذا الظهور من بعدين قويين :


أولهما: أن العذراء قد ظهرت للعالم كله وهي تنذر بأن ابنها قريبا جدا على الأبواب، فاستعدوا


ثانيهما: أنها ظهرت خارج الكنيسة وليس داخلها علامة لأن هذا الشعب يعبد الرب بالشفاه فقط والقلب بعيدا عنه، أي انه يبحث عن الشكل الظاهري فقط في عبادته للمسيح.




إشارات بالرحيل


لما أوشكت أيام قديسنا على الانتهاء كشف له الرب له المجد عن ذلك اليوم الذي سيرحل فيه من عالم البؤس والشقاء، فبدأ يعلن هذا لمحبيه وأولاده بالروح.


و يذكر أ/ميشيل يسى بأن بابا صادق بكى يوم الثلاثاء قبل رحيله بيومين وطلب أن يرى أبونا بيشوى كامل الحبيب إلى قلبه، فأخبره بأن قداسته سيسافر إلى الخارج للخدمة وهو يستعد لذلك، فقال لهم قديسنا "خلاص أنا هاشوفه بعدما أموت (يقصد وهو في الروح).


و يضيف أ/ميشيل أن أحد أبناء القديس ويدعى لويس زاره يوم الأربعاء السابق ليوم انتقاله وأحس من خلال سلامه وقبلته له بأن ذلك سيكون آخر مرة للقائه في الجسد فبكى ابنه لويس وقد أوصاه القديس قائلا "تبقى تذكرني يا لويس في القداسات" (يقصد التراحيم).


و كانت نصيحته للجميع قبل انتقاله "اهتموا بخلاص نفوسكم وبس، الواحد ينفد بجلده، لغة الكلام مش مجدية".


و أخيرا شاء الرب الحنون أن ينتقل هذا القديس إلى السماء صباح يوم الخميس الموافق 6 نوفمبر سنة 1969 م بعد حياة كاملة بالمسيح وفي المسيح مدتها 70 عام بالتمام اخرج فيها الروح القدس من عمله كنوزا جددا وعتقاء.




شعائر التجنيز


حددت موعد الجنازة بكنيسة القديس تكلا هيمانوت بالإبراهيمية وكانت قريبة من منزل بابا صادق واجتمع محبيه وأولاده وأقاربه وعشرات من الآباء الكهنة على رأسهم القمص بيشوى كامل الذي ألقى كلمة روحية غاية في العمق والروحانية تليق بمقام هذا البار الذي عاش بينهم وعاشروه شاهدين بقداسته ناهلين من فيض أبوته وتعاليمه.


ثم زف جسده الطاهر في الكنيسة وسط تسابيح الشمامسة والشعب وقد ظهر أثناء تشييع جنازته رائحة بخور قوية كانت تتصاعد من جسده الطاهر كشمعة تحترق اشتمها الجميع بتعجب شديد حتى اخوتنا المسلمين.


و لازال منزله إلى الآن بالإسكندرية يفوح منه رائحة بخور زكية كما أن ملابسه التي كان يلبسها ساعة نياحته مازالت إلى الآن بعد غسلها يفوح منها رائحة الطيب.




ظهور ملاك عملاق


بعد خروج جسده ليتم دفنه بمدافن الشاطبى بالإسكندرية تبرع أحد معارفه أن يدفن عم صادق في مدفنه، ولكن زوجته التي كانت تحيا بروح العالم قالت أننا لا ندفن غريب في مدفننا، فتقدم آخر وقال "أنا سآخذ عم صادق"، وبينما هم في هذا الخلاف إذ بهم يرون فجأة رجل يخرج من بين المقابر صوته كصوت الرعد طويل القامة جدا ولم يكن أحد يعرفه أو رآه من قبل وهو يقول "انتوا ما تستهلوش عم صادق يندفن عنكم أنا هادفنه عندي" وكان موجود في هذه الأثناء أبونا لوقا سيداروس وتعجب جدا من رؤية هذا الرجل فقال له أبونا انت مين وجاي منين؟" فقال له "مش مهم تعرف أنا مين. فاقترب أبونا ليتبينه وإذ به يختفى ولا يوجد له اثر بالمرة. وفي هذه اللحظة سمع من ينادى ويقول أن أهل القديس حضروا من مصر وهم مصممون على دفنه بمدافن العائلة بمدافن القديسة بربارة بمصر القديمة، فعادت العربة التي تحمل الصندوق إلى الكنيسة مرة أخرى ليمكث الجسد أمام الهيكل حتى الصباح وسط تسابيح وتماجيد أبناءه في الرب وقد كانت تعزية كبيرة جدا دون قصد من إنسان بل بالتدبير الإلهي أن يحتفل بهذا البار بطريقة تشبه الآباء البطاركة أو الأساقفة، وفي الصباح صلوا القداس الإلهي ثم سافروا به إلى القاهرة حيث تم دفنه. وكان أقاربه وأهله عند حضورهم من القاهرة قد تاهوا عن معرفة المنزل والكنيسة التي سيصلى فيها فاحتاروا وطلبوا من الرب إرشادهم، وإذ بهم يشتمون رائحة بخور ذكية تفوح فجأة فاقتفوا أثر الرائحة حتى تمكنوا من الوصول إلى الكنيسة وهم يمجدون اللـه فحقا يصدق قولك يا إلهنا (عزيز في عيني الرب موت أتقيائه) (مز 116 : 15)


مكانته عند رجال الكنيسة :


و قد وقع خبر انتقال بابا صادق كالصاعقة على نفوس الجميع وأحس من حوله بفقدهم ذلك البار الذي كان ينبوعا للمياه التي تروى كل حين بالروح القدس حتى أن نيافة الأنبا شنودة أسقف التعليم (قداسة البابا شنودة الثالث) حضر للتعزية في اليوم الثالث لانتقاله قال لأولاده بالروح "لما بلغوني أن عم صادق تنيح حسيت برهبة لأن الرجل ده ليه مكانته الروحية".




معجزات بعد انتقاله:


كما تمجد الرب في حياة قديسه على الأرض هكذا تمجد أيضا بعد انتقاله إلى السماء في حالات كثيرة من شفاء أمراض عن طريق لمس بعض ملابسه ووضعها على المرض بإيمان، كما ظهر لكثيرين بعد نياحته وكان يحدثهم بأحاديث النعمة مشجعا إياهم على طريق التوبة ومن هذه الحالات نذكر ما يلي:


1- رجع البصر لايفون :


إيفون ارتبطت بروح القديس عن طريق كتاباته وأقواله ومعجزاته دون أن ترى شخصه وفي يوم وجدت أنها لا تبصر بإحدى عينيها وأخذت العين الأخرى ينتابها ضعف شديد وكانت تبصر بها بصعوبة بالغة ومرت على كبار الأطباء ففشلوا في علاج حالتها فساءت نفسيتها جدا.


و في يوم كانت جالسة على سريرها بجوارها صديقة لها تدعى (فاطمة) كانت تقرأ لها من كتابات بابا صادق عن المحبة وبعد أن انتهت من قراءتها أخذت ايفون تقول "فين المحبة دى فين المحبة دى يا بابا صادق اللى بتقول عنها، هو فيه حد عنده محبة، وإذ بها ترى بابا صادق أمامها بالصورة التي علقت بذهنها (حينما كان يلبس بيجامة ويحمل إنجيله وصليبه في يده) وهو يقول لها "بنتي ايفون فين إيمانك فين إيمانك يا ايفون"


ثم وضع القديس يده على عينيها ففي الحال أبصرت وقد اندهشت صديقتها فاطمة التي كانت معها وقت هذا الظهور تسمع ما يقوله القديس ولكن لا تراه.


و قد شهدت ايفون بهذه المعجزة لأحد أبناءه بالروح وكان حين أتت إليه أن رأي أصابع القديس ظاهرة على وجهها مكان لمسه لها.. وكثيرا ما كان قديسنا يظهر في رؤى وأحلام كثيرة لآخرين، يرشدهم ويذكرهم بكلام النعمة والبنيان فيمتلئون من سلام اللـه وفرحه.




2- توبة أحد الشباب


يقول قديسنا المتنيح الأنبا يؤانس "كان لي طالب في القسم الليلي في الكلية الاكليريكية بالقاهرة وكان قريب بالجسد للأخ صادق، وروى لي بنفسه أنه عاش حياة مستهترة كشاب ارتكب جميع الخطايا، وكانت أمه كثيرا ما تنصحه أن يذهب ليجلس مع الأخ صادق، ولكنه لم يفعل وحضر جنازته ووقف أمام جسده وقال في نفسه "يارب كل الناس بيقولوا عن هذا الرجل انه قديس، فإذا كان قديس بالحقيقة أعطني يارب أن أتوب عن كل خطية وكل شئ".


و خرج من الجنازة باعترافه إنسانا جديدا حتى التدخين الذي كان مستعبدا له، أقلع عنه.




3- شفاء من روماتيزم بالقلب


في سنة 1970م تعبت الطفلة مارى (5 سنوات) حفيدة حكمت (التي كان القديس يرعاها هي وأمها) بمرض روماتيزم في القلب، وكانت سرعة الترسيب عالية، والطفلة طريحة الفراش دون حركة، وفجأة وبدون وعى طلبت بيجامة القديس ولفتها حول جسدها وفي الحال تغير لون وجهها الشاحب وقالت لوالدها "يا بابا المسيح شفاني، أنا جبت هدوم بابا صادق وحطتها على فحسيت إن ربنا شفاني" وبالفعل ما قالته صحيح إذ كان شفاء إعجازي ليس له مثيل وهي الآن شابة يانعة متزوجة وأم لأولاد ومقيمة بالإسكندرية.




4- شفاءه من سرطان الكبد


أخبرني أ/ميشيل يسى (الابن البكر الروحي للقديس) أن أحد المستشارين من غير المسيحيين (رئيسا لمحكمة الاستئناف بدرجة نائب وزير) تعب بسرطان في الكبد فأرسلت له قطعة من ملابس القديس وقلت له إن كان عندك إيمان ربنا ها يديك حسب إيمانك فقال أنا أؤمن وبوضعه قطعة القماش مكان المرض أصبح طبيعيا وزال الورم الخبيث عنه نهائيا. وقد قالت زوجته للأستاذ ميشيل "مش عايزة أقولك حتة القماشة اللى جبتهالى دى عملت معجزات أد إيه".




مقالات النعمة :


كتب قديسنا هذه القصة بمناسبة عيد الميلاد المجيد ونشرت في جريدة الأنوار في 14 يناير 1951:


استيقظت إحدى القرى المسيحية صباح عيد الميلاد ولا حديث لها إلا عن ذلك الغريب الذي هبط على القرية ليلة العيد، وكان يتصدى رواد الكنيسة عند انصرافهم يسألهم مأوى عندهم من وجه الفاقة والبرد والمرض، فخشى الناس أن يكون محتالا أو ناقلا لعدوى المرض فأعرض البعض عنه واكتفى البعض الآخر بما تصدق به عليه، والغريب من أمره أنهم لا يعلمون عن مصيره شيئا إذ لم يبد له أثر في القرية كلها في اليوم التالي وقد طغى الحديث عن هذا الغريب على حديث الكاهن عن حوادث الميلاد المجيد.


انقضى الاحتفال بالعيد واستأنف أهل القرية أعمالهم واقبلوا على مشاغلهم ، فلما كان يوم الأحد التالي، وقد أخذوا طريقهم إلى الكنيسة عاودتهم ذكراه إذ أثار الكاهن في عظة ذلك الصباح موضوع ذلك الغريب قائلا "لعلكم تذكرون يا أحبائي ليلة عيد الميلاد عند انصرافكم من الكنيسة حتى التقيتم عند خروجكم بهذا الغريب الذي كان غريبا حقا في مظهره وفي مطلبه الذي خفتم منه ولم يقبل أحد منكم أن يقبله بل كان كل واحد منكم يتحاشى ما يعيقه في طريقه إلى داره في هذه الساعة المتأخرة من الليل القارس البرد.


و قد تقدم لي هذا الغريب وكنت مأخوذا من جميع مشاهد ميلاد الرب بمشهد اتضاعه الفائق من قبل حبه الذي يفوق كل عقل وكنت في طريقي إلى دارى اسأل نفسي "ترى من كان في استقبال ملك السموات والأرض عندما شاءت محبته أن يتفضل بافتقاد جبلته في مثل هذه الليلة مع انه أعلن عن مقدمه المبارك بمعلنات روحية التي حملها رسله أنبياء العهد القديم معلنات محكمة الحلقات تناولت كل ظروف وملابسات تجسده السامى لخلاص البشر؟ ترى أي مكان ملكي أعد لاستقبال الملك السماوي؟ ثم سألت نفسي والأرض تعيد الآن ذكرى هذا الميلاد المجيد، من الذي يحف من أهل الأرض لاستقباله بما يليق له؟ وأي مكان أعد بحق لتشريفه؟ وبينما أنا مسترسل في هذه التأملات إذ بالغريب يدنو منى ويقرع سمعى بمطلبه وكان بادى الضعف والعوز فاستمررت أقول لنفسي "ألم يأخذ المسيح له المجد بتجسده كل ما لنا ما عدا الخطية ليعطينا كل ما له حتى نتبرر نحن المؤمنين ببره ونحيا معه في مجده، وماذا كان لنا سوى العرى والفقر والطرد والمرض وموت النفس والجسد بسبب الخطية لذلك جاء الملك السماوي في موكب الانسحاق بالمسكنة والأوجاع والألم في طريق الموت وصعد في موكب الغلبة والانتصار والمجد ليعطينا بشركته فيه أن نجتاز معه طريق الألم وندوس به شوكة الخطية التي هي الموت لنملك معه إلى الأبد، وما ذكرى عيد مولده المجيد إلا ذكرى وضع قدمه في أول هذا الطريق ، طريق الألم والموت، وها هي نواقيس الكنائس تدوي داعية إلى الاشتراك في ميلاد الفادى بالاشتراك في الألم معه، من مولده إلى صعوده لأنه من لم يتألم معه لا يتمجد معه، فلنسلك في جدة الحياة بالروح وليس حسب روح العالم كغرباء في هذه الأرض طالبين المدينة الباقية أورشليم السمائية. وما كدت انتهى من تأملاتي إلى هذا الحد وكنت على مقربة من دارى حتى رأيت هذا الغريب يقف في طريقي ملتمسا له مأوى معي في دارى ففتحت له ذراعي وعانقته قائلا : مادمت انت غريب فأنت أخى لأنني غريب مثلك في هذه الأرض، وما دمت تطلب مأوى فليس لي مأوى إلا في السماء في شخص المسيح، وأنا في طريقي به إليها، فلن تفارقني منذ الساعة حتى نأوى به إليها سويا. ثم عانقته فرحا فشعرت بسلام يفوق العقل يملأني ورهبته تفوق تتملكني، إذ أضاء المكان من حولي وظهر لي المسيح في مجده فسقطت على وجهي فأقامني وباركني قائلا : " يا كاهني ، علم أولادي إلا يلتمسونى في بيت لحم بل يلتمسونى أولا في قلوبهم اللحمية، وقد أعطيتهم كل وسائط نعمة روحي القدوس وحررتهم بولادتهم الثانية من الخطية فليحفظوا إرادتهم المحررة هذه لاشتهاء وعمل وصاياي بقوة ومسرة ولا يعودون يسخرونها لشهوات الجسد والعالم، علمهم في الأحد القادم إلا يحبوا بالقول واللسان بل بالقلب والعمل لأنى محبة ورحمة وقل لهم لو كانت لهم في شركة حقيقية لما رفضوني الليلة انهم لم يقبلوني في ديارهم لأنهم لم يعطوني قلوبهم، اكشف لهم ما كشفت لك في هذه الليلة من أمري، ادعهم إلى إحياء ذكرى مولدي بتجديد ميلادهم الروحي بالتوبة عن حياة الجسد والعالم حتى لا يصير قلبهم بعد مزودا للأفكار الحيوانية والشهوات البهيمية، بل عرشا مقدسا لي بإطاعة روح قدسي الساكن فيهم وذلك بأعمال الرحمة والمحبة وبعملهم بجميع وصاياي حتى لا يأتى دم أحد منهم على رأسك ونعمتي تشملك". فسجدت له بروحي ممجدا ومباركا عظمة ومحبة الفادى مؤمنا أنه يعيننى بروح قدسه على تأدية هذه الرسالة إليكم بالعمل لا بالقول. له المجد إلى الأبد آمين.




من تأملاته : (توبة أهل نينوى ):


اعلم يا بنى أن الخطيئة تثير دائما غضب العدالة الإلهية وتستنزل قصاصها العاجل بالخطاه ، ولكن الرحمة تجعل حكم العدالة بالقصاص مسبوقا بالإنذار والإمهال لكي بالتوبة ترتضى العدالة أن تنيب عنها الرحمة في عمل الخلاص، وبالتمادى ترتضى الرحمة أن تنزل العدالة صادم القصاص، فليذكر أهل الأرض أن فيه الرحمة والعدل تلاقيا، فمن دعاه احتضنته رحمته بجناحيها، ومن طغى سحقته عدالته تحت قدميها، وطوبى لمن لا يستهين بغنى لطف اللـه وطول أناته لكيلا يذخر لنفسه غضبا يوم الغضب.


يا لها من مهلة طويلة تلك التي أعطيت لك يا نينوى، من منا يضمن لنفسه لا أربعين ساعة بل أربعين دقيقة قبل الوقوع في يدي عدالة اللـه المخيف، إذن يا ويلنا بما أضعناه من فرص التوبة فيما مضى من إمهال، ويا ويلنا بالأكثر إذا لم نلق بأنفسنا في أحضان التوبة في الحال.


أنها حقا ساعة لنستيقظ إذا كنا لم نستيقظ حتى الآن.




أعلن أحد البنوك أنه يوجد مبلغ ضخم من المال ودائع في البنك لا طالب لها، وأنه يرجو من أصحابها التقدم بما يثبت حقهم فيها لصرفها إليهم، نشر هذا الإعلان فلم يتقدم إلا نفر قليل اخذوا حقهم قبل سقوط هذا الحق، وأما الباقي فقد يكون البعض منهم قد ماتوا في فقر وهم لا يدرون بما هو مدخر لهم والبعض الآخر يكدون ويكدحون من أجل النذر القليل الذي لا يسد عوزهم وهم لا يدرون بما لهم من رصيد تحت أمرهم أو يعيشون في فقر مدقع وهم يجهلون ما هو مودع لهم، فما أعظم هذه الودائع المدخرة لنا في المسيح ، في روح المسيح فينا ، الروح القدس الذي نلناه بسرى المعمودية والميرون الذي أعطانا الحق في المطالبة بما هو مرصود لنا من كنوز النعمة ومواهب الروح القدس لنعيش في غنى روحي ونغنى آخرين، فماذا فعلنا بودائعنا، أننا بلا عذر في إهمالها، فلنتذكر يوم الحساب فانه قريب على الأبواب (مت 25 : 19).




هل تعلم أيها المؤمن مدى ما تخسره انت والكنيسة والعالم كله والمسيح نفسه إذا أهملت حقك في الامتلاء من الروح القدس؟ حذار أن تكون مستبيحا بهذه البركات كعيسو فتضيع خلاصا هذا مقداره.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سلام ونعمة رب المجد يسوع